الثلاثاء، 25 يونيو 2013

عرف الكرام ، زعيمان سودانيان مرشحان لجائزة نوبل للسلام



أمَّا الجائزة فمحلُها معلومٌ وأمَّا المتقدِّمُ  فهو كاتب هذه السّطور وأمَّا المرّشَحان فَهُمَا الملكان بادي أبو دقن وقيلي أبو جريدة وقصتهما معروفة ، ذلك الحدث الكبير الذي يمثل إرثاً إنسانياًعظيماً لجيلٍ مؤسسٍ على التسامح والتآخي، وإذا عرفنا كيف نغرف من هذا المنهل فلن نفقد الأرواحَ ولن تفرقنا السُّبلُ ولن يقتلنا الظمأُ في صحارى الدنيا.
لقد أحببتُ هذين الملكين حتى ظننتُ أنّ من رأى غير ذلك  ففي نفسه شيءٌ مُستَقبَحٌ وعليه أن يعود إلى الله ، فأنا أتقدم لهيئة الجائزة عبر هذا الفضاء بهذا الطلب ولكنْ أيُّها القاريء الكريم دَعْ عنك أوجاع الحاضر وإني لأستأذنك أن تحزم أمرَك وتصحبني في هذه الرحلة حيث نبدأ بالملك بادي ثم وصوله إلى تقلي ثم الملك قيلي ثم نعود مع الملك بادي إلى سنار.  

          وَرِثتَ مُلْكَــاً بيِّنَ الآســــــادِ         نُصِّبتَ فيه كســــائرِ الأجــــدادِ

          نَهَلتَ مِنْ ســـابقِيكَ مُـؤَزَّراً           تمشي على خطــوِ الرَّشـــــــادِ

          حُكْـــمٌ بِمَا تُطــيقُ النَّفْـــــسُ     
     مِنْ عــــدلٍ بســــيـطٍ بــــــــــادِ

          في عهـدِكَ الــرَُّواقُ أصــبَحَ          زاهراً في الأزهرِ الـمُـرتـــــادِ

          ثُمَّ أكرَّمتَ الشُّيوخَ القـادميَن          النَّاشـرينَ عُلومَهُمْ بيَن العِبــــادِ

          بِالعزمِ والصَّبرِ أعددتَ الَخمِيسَ   
  كَقَــــائــدٍ في قــــوةٍ وعَـتـــــادِ

         ابـنُ ربـــاطٍ وثيـــقُ الرَّبـــطِ           سِرْتَ مُرابِطاً بِرباطِكَ الـسَـدَّادِ

          خرَجتَ إلى الرافضيَن لأمـرِ          الأمــيــــرِ الفَـذِّ حِــيَن يُنــــادي

          وَصَلتَ واندلـعَ الـوَغَى بنَهارِ          لَفْــحِ السَّمُــــومِ  مَـعَ الحِــــدادِ

          وأتى بلبــاسِـــهِ اللّيـلُ البهيمُ           مضــرَّجاً بدمِ الزَّكيِّ الصَّــادي

          فإذا الأواني تثاقَلتْ وتناثَرتْ        بِالطيِّباتِ النَّاضِجاتِ مِنْ الَحصادِ

         عَجِبَتْ لـِمَطلَعِها المروءةُ والضِّيافَةُ 
    والــوَرَى مِنْ رائــحٍ أو غــــادِ

         أغنياءٌ يتقاسمونَ كُسَيرةً
ولُقَيمةً        حتَّى إذا أمْسَــتْ نَبَقَةً بالــوادي

        
للهِ درُّكَ يا قيــلي أنتَ حَكِيـــــمٌ        في السَّخــاءِ مِثالٌ ذو انفــــــرادِ

         أتجـودُ يـــومَ كَـــرِيهةٍ سبَقَـتْ          نَحوَ الضُّلوعِ لـِمُثْخِنِ الأجسـادِ؟!

         أتاكَ مُقـــــاتـِـلاً في إتــــــاوةٍ        
  فـرَدَدتَــهُ مُسْتَبْسِلاً في الــــــزَّادِ
 
        وَمَا عـَصَـيتَ لغـــايةٍ عَصَـــبيةٍ      
   أو طــــمــــعٍ بـــرَى وعِــنَـــادِ

        فَلَعلَّــهُ  قَحْـــطٌ أصــــــابَ
 دِيا           رَكُمْ فَتَعسَّرَتْ سَـعَـةُ الأيـــادي

        يَا
أيُّها المــلِكُ الَّــذي بِصـمـيمِهِ         صــارَ الخصيمُ إلى حَمِيمِ فـؤادِ 

        زحَفتَ فَكَمْ مِنْ شــاهِرٍ سيفـــاً      
   وَكَـــمْ مِنْ طــالبٍ خــرطَ القَتــادِ

        أَيْقَنْتَ أنَّ المسلمينَ إذا الـ
تَقــوا           بِسيوفِهِمْ فَالنَّــــارُ بِالمِرصـــــادِ

        صَغُـرَتْ في عيـنِــكَ الدُّنيــــــا          فَقُلْتَ لَهُمْ : خُـذوها على الـمُرادِ

       لا غَلَباً حَمَلْتَ جُـنْدَكَ عــــائداً           مِنْ تِبرِ الملوكِ إلى ثَرَى الـزَُّّهَّادِ

 
       عُـرْفُ الكـــــرامِ مَعَ الكـــرامِ          توافـــقٌ وتآلــفٌ كالقَلبِ والأكبادِ      

        فَعَليكُمْ بالكـــــرامِ هُمُ الصُّوَى       
   بِثنــــــايـا  فَـجٍّ مُبْهَمٍ  لا هَـــــــادِ

     عبدالرحمن السعادة

السبت، 22 يونيو 2013

الطريق إلى تمبكتو




لا أعرفُ سِرَّ الَجذْبِ إذا ذُكِرتْ الممالكُ الإسلامية بإفريقيا ، ماهذا الخيطُ الّذي لا يُرى ويربطنا رباطاً وثيقاً بماضٍ نطربُ بذكراه ، ألأننا سِناريو الهَوى ؟ لستُ أدري ، فإنْ قِيلَ سِنار ذهبنا إليها وإنْ قِيلَ كانم ذهبنا إليها وإنْ قِيلَ زنجبار ذهبنا إليها ، ولإفريقيا شوقٌ دفيٌن في جوارحَ تتلظى كلَّما ذُكِرَ رسمٌ بها ، وهذا الشَّوقُ ابنُ حُبٍّ استوى في ناظرِه التّعددُ والتّنوع .
تمبكتو وسنار قامتا في عصرٍ واحدٍ بعد سقوط الأندلس ؛ تمبكتو  يرِد إليها الأساتذة والطُّلاب ينهلون ويذهبون  وسنار تستقبل العُلماءَ وتبعث طلّابَها .

وكذلك جمهورية السودان وجمهورية مالي اللَّتانِ يجمع بينهما السودان الكبير تشابهتا في أزمة الحرب الأهلية بين الشَّمال والجنوب وتخالفتا فيمَنْ يـُمسك بزمام السُّلطة والثَّروة ، ومصير السودان انتهى بالانفصال وتبقى مصير مالي فَهَلْ ستتعادلان في الخواتيم أم سيتراضى شعبا شمال وجنوب مالي ويتحابا في وطن واحد.
مِثلما أُحِبُّ لبلدي السّلام والتآخي والرّخاء أيضاً أُحِبُّ لقارتنا ولكل العَالَم ما أُحِبُّ لبلدي ، ونتمنى لإخواننا في جمهورية مالي أنْ يفكوا ما تعقَّدَ من سِحرِ المعضلات مِنْ غير احتراب حفظاً للنُّفوسِ النفيسة ، وأن تـمُدَّ لهم الأيادي ذخائرَ النِّعم لا ذخائرَ النَّدم.
  أيُّها القاريء الكريم مَنْ أَحَبَّ وحدة تراب هذه القارة إذا رحلَ  مِنْ وادٍ إلى وادٍ على ظهرها عاشَ وتآلفَ مِنْ غير تثريب ، وعلى هذا وَفَدَت زرافاتٌ مِنْ أهل تمبكتو إلى السودان وعَينُهم إلى الحرمين الشَّريفين - على رواية حفيدٍ لتلك الأجيال -  في حِقبٍ متباينة في زمانٍ قديم وأصبحوا سودانيين ثُمَّ هجرَوا السودان حِينَما تشرَّدَ أهله .

وهذه الأبيات الآتية تحيةٌ لأهل تمبكتو وقد جمعتنا الأسفارُ بكثير منهم:





              تمبَكْتـو التَّليــدةُ فِتنــــــةٌ          لَعِبَــتْ بِنــــاظرِها جِهارا

              وَالقلبُ المُحِـبُّ لِمثلِـــها         ذِكْــــــراً تَنَـــــادَى فَطَـــارَ

              مُحَلِّقــاً بيَـــن العُصُـــورِ        فَشَـاقَهُ مجــــدٌ تـــــــوارى

              لَـجَمَ الـخَـيَالَ كَسَــــابِقٍ          خَــبَرَ الفَـــــــلاةَ مِـــــرارا

              سَليلُ أكـَــارِمٍ جــــــازَ          المغانيَّ والزَّمـانَ مـهــارهْ 

             يَا مَنْ بَدَا أضْــــرَابُهُ مِنْ        وَقْعِهِ في الـمَشْرِقينِ حَيَارى

             يَا مَنْ سَـــلا حُسَّادَهُ فِي          جَهْلِهِمْ يَتَقاسَمُونَ النَّـــــارا
       
           لا يَعْرِفونَ نَواحِياً بحِيَالِها        لا يَعْـرِفونَ يَـمينَها ويَسارا

            هُمُ عُمْيٌ بِسِجْنِ النَّفْــسِ           قَدْ خَــسِروا بِها الأبصَارا

            إفــــــريقيا كَمْ عُتِّقَتْ مَا          أعْتَقَتْ عُشَّاقَها إلا سُكارى

            وَكَأنَّـــها عَيٌن تَفِيـــــضُ         وتُـــؤتِي كأسَــــها الـدَّوَّارا

            فَأنــاخَ في رملٍ  كـريـمٍ        ظـــنَّهُ الــــرَّائي  غُبـَـــارا

            كَكِرامِهـــا يمشي الوَّقَارَ        مُعَمماً ومُلَثَمـــاً مُختـــارا

            هَـذا النـَّهــرُ ذو حـــــظٍّ          يفــوقُ بوَصْلِها الأنـهــارا

            جَــوهَرة ٌلــمَّا مـسَّهـــــا        غَــارَتْ جَواهِرُهُ اشْتِجَـارا

             فَقَفَزَ الـــــدُّرُ في خَـــيْرٍ        يُصِيبُ أُناسَـــها الَأخْيــارا

             أُمَـراءٌ وشُــيوخٌ عَابِدونَ       بــَنـــــوا بـِـالـعِـــلْـــمِ دَارا

              فَخَرَجَ مَنْ حجَّاها بدراً         شـــــعَّ بــــالأنـــــوارِ زارَ

             وَأعلامٌ وأبطــالٌ سَمُوا          في سُــوحِها شَمَخوا كِبارا

             زَحَفَ العِــدَا بِرِماحِهِمْ      وتـَجَمَعوا واستَكْبَروا اسْتِكْبَارا

             كَتَاجِ الــدِّينِ (1) إنْقُونـَّا (2)    يُقَــاتِلُ فَـــــارِساً مِــغْوارا

             بَسَالتُهُمْ أقرَّ بِهـــــــا العِدا      وكَفَــى بِعِــــداهُمُ إقْــــرارا

             فَاستَبِقُوا يا بَنيها توحُّـداً        حتَّى يكــونَ لَكُــمْ شِـعـــارا

              رُدُّوا إليها إمارَةً ونَضَارَةً     وسِفــارةً وتِجَــارَةً وقِطْـارا

              وَألـــواحاً تَنْــدى بآيــــاتٍ      وأوراقَــاً وأقلامَاً وأحْبَارا

              وَأوراداً هــزَّتْ  جِـــدارَ       اللَّيْــلِ تُتــلى  وأذْكَــــــارا


             عبد الرحمن السعادة


(1) السلطان تاج الدين : صدّ الغزاة الفرنسيين وقاتل حتى قُتِل.

(2) لقب محمد علي الأنصاري الذي تولى الدفاع عن تمبكتو وبواديها عندما غزا الفرنسيون الصحراء وقد نازلهم في العديد من الوقائع
وهزمهم وفي نهاية المطاف استطاع الغزاة تفريق من حوله من الرجال وصالحوهم سراً دون علمه ، وأما هو لما علم بذلك رفض الصلح مع الفرنسيين فجعلوه هدفا لهم حتى تمكنوا من اغتياله عام ١٨٩٦م. ( الأوفى المختار- عبد الله محمد مهدي)




الجمعة، 21 يونيو 2013

أنثى الأنوفليس العطشى




فتى الفتيان يسعى بأعباء ثقال ثم يعود ليلاً إلى إيوان عامر  يكاد الغريب لا يعرف أهله من زائريه لو لا أنهم يحملون ما يكرم الضيف في الغداة والعشي ، وفي صحنه يتلألأ ضوء القمر ويحلو فيه كَلِم السّمر ، يطل على طريق تعوّدت عليه السابلة، تتخلله حفر صغيرة لا يراها الأمير حيث يعثر الكبير ولا يعبأ بها الصغير ، تسكنها بقايا قَطْر صيِّب ويتخندق بها جند البعوض وعيونه. وذات يوم رأته جدته مجندلا في مرقده على غير ماجرت أيامه فقالت له : يا بُنَيَّ ما بك فتأخر في رده فأقبلت عليه فجسّته  وملأ الخوف عينيها وحثته أن يسارع إلى الطبيب بعد أن نفد ما لديها من عشب ولم ينفد ما لديها من دعاء .
ورغم أنه يقوم لحوائجها بِرّا وطاعة ورضا إلا أنها لم تنس كم أخذ بيدها إلى حكيم مداوي أوإلى طبيب نائي في مدن حاضرة غابرة ، وكذلك يوم جلب لها بقرتها الشاردة من راعيها في بور ممتد لا نهاية له عابرة جسور القناطر  .







إهداء إلى الذين تأذوا من أنثى الأنوفليس العطشى وإلى الذين يعملون على محاربتها.



            أزائرٌ يــأتي بِـلا استـــئـذانِ        أَمْ إنَّهُ حَــــيٌّ غـــريبُ لسـانِ

            مُتَعَجِلٌ غـــــرَّاهُ مَـدُّ أيـــــادٍ        نحـو القِرى المـمـدودِ كُلَّ أوانِ

            فَطَنَّ بالصَّوتِ البَغيضِ كَطيرٍ       عَـلا بِنَعيقِ الشّؤمِ للإنســـانِ

            غزواً دنا مِنْ مضْجَعِ السَّبَّاقِ      في السَّرّاء والضرَّاء والإحسانِ

         اتخذَ النَّهارَ فَلَكاً يَـدورُ بِـهِ     واللَّيلَ رِدءاً عَلَى الدَّوَرانِ

         أوى إلى حِمى قِــدٍّ مُنَجَــدٍ     تصلّدَ مِنْ تعاقُـبِ الأزمانِ (1)

         ما هــذهِ العَيُن التي بِعِيونٍ   لا تُغَــضُ ولا تُـرى بِعِـيانِ

         شُغِلَ بِها العُلماءُ والرّؤساءُ   قَدْ عَجـــزوا أمـامَ الجاني

             فَإذا بِنُحَيلةٍ قِيسَ البعوضُ    بَدَا اختلافُ الرِّبْحِ والخُسرانِ

             أُنثـى رَمَتنا بالسِّقـــامِ وأُنثى     بالشِّفـاءِ رَمَتنا لَدَى الأُنـــانِ

         أُنثـى لِغــارةٍ مِنْـــها إذا        لَدَغَتْ وأُنثى مخافةَ العُدوانِ
 
       أُنثى الوحوشِ بقوةٍ صادَتْ    فَريستَها وغَرزتْ مخلَبَ الَحيوانِ


      وَانْسَلَّتْ بعدَ أنْ ألقَتْ بِــداءٍ       مُسْرفٍ في الهَـدْمِ والنُّقصانِ


       حُمَّ الفتى فقَالَ: إني صابرٌ        كَتَعوُّدي جَلَّداً مــعَ الحَدَثانِ

      فَلَمَّا حمِيَّ الُأوارُ نَوَى طبيباً      ولكنْ كَمَنْ يَنوي إلى السُّلطانِ!


     وَحِيَن التقــاهُ شَكَــا بتوجـعٍ         وتَكَلُمٍ لا يُستبــانُ مِنْ هذيـانِ


     طـبيـبٌ كـريٌم سَخَــا بوُريقةٍ         عجميةٍ فُكَّتْ بِعَقْلِ التُّرجمانِ

     حَــذِقٌ هوَّ
الدِّينـــارُ إذْ فَــكَ         ما اسـتعــصى بِسـحرِ بَيـانِ


    وَيَدٍ طَالَتْ بِنائلِــها وَرَحَـلَــتْ       يَــومَ أنْ قَصُرَتْ عَنْ الأثمــانِ 

    فَيا مَنْ تَقَلَّبَ في الدَّواءِ مُجرِّباً     حَبَّاً وشُــرْباً وطَعْــنَ سِنانِ
 
      وَلَمْ يَأنَفْ ممَّا تيقنَ فاهتــدَى            ورَقَى النَّفْـسَ بالسَّبعِ المثاني

    حَمَـــاكَ اللهُ مِنْ كيـدٍ تَفَشَّى        بالبـلادِ مُحَقِراً كيـــدَ الغـواني

      متى خَفَّ العَليــلُ غدا وراحَ             يصولُ بِـمَا ينــوءُ في سُلوانِ

            عبدالرحمن السعادة
(1) عنقريب القِد

سياط على ظهور النخبة




رميٌ بالسِّـهامِ بِلا حَرَجْ
وخزٌ بالسِّـياطِ مِنْ العَنَــجْ

أو بِعُودٍ مِنْ الِحـنَّا انْبَرَى
مِنْ عِـزِّ الــنَّـدَاوةِ والثَّبَـجْ

هَـبْ أنَّ الجَرِيــحَ شَـكَـا
وصَــاحَ يَسْـألُ عَـنْ فَــرَجْ

هَـلْ هذا يُداوي جِراحَنا
ممَّا وَجدْنا عَــلَى الـــدَّرَجْْ




الأربعاء، 19 يونيو 2013

أيَّـامُ الحياة



أيُّها القاريء الكريم لا تعجل إلى التشخيص وتأمل التجارب

       أيَّـامُ الحياة :

        أيــَّـامُ الـحياةِ تدافـعٌ مـكـتوبٌ

       واللــهُ العـــزيزُ يُـداوِلُ الأيــَّامــا

        فَيَا مَنْ خـرَقَ الفُلْـكَ في ريــثٍ
      
        فــأغـرَقنا وصبــَّحَهُ حُـــطــامـا

       والكلُّ مُنشغِلٌ في هوى نفسٍ 
    
       أثارتْ على حَبْلِ النَّجاةِ صِداما

        فـتنـابزوا وتجاهلـوا بحـميَّةٍ صا
    
        رتْ على صــــدرِ الحليمِ وِســاما

         مَـنْ جمَــعَ النـاسَ يغـدو سـيِّداً  

         ولـيسَ بسـيِّدٍ مَنْ فــرَّقَ الأقــواما

        عجِبتُ لَمنْ دَسَّ الذُّعافَ لنفــسِهِ
  
         وعَــــادَ يشــــكو لغيـــرِهِ الآلاما
 

 
         دواءٌ عـلــقَــــمٌ مِــنْ كُــــلِّ آسٍ
     
         أبــاهُ يحـسبُ أنْ يكونَ حِمامـا

         فَشَقَّ النّاسَ يبحثُ عَنْ شـفاءٍ 
   
          حتَّى استكفَّ عـدوَّهُ الـهـــدَّامـا

         وشيخٍ كــالرَّضيعِ عـلى لِبـــانٍ   

           أُمُـهُ  الدُّنيـا فلَمْ يبلـغْ فِطـامــا

  
         مــا خِـفتُ مِنْ أحـدٍ على شَـعـبٍ 

          كما خِـفتُ ِممَّنْ ظنَّ بنفسِهِ الأوهاما

 
           لهفي على قــومٍ  رُدّوا فَقِيل لـهـُمْ:

           هَـذِي بِضـــاعتُكم مُلِئتْ حَـرامــا

 

         عبد الرحمن السعادة


قُلْ ماشِئتَ






     قُلْ ما شِئتَ واعلُ مِنْ الِحسِّ

     قُلْ واسمعِ الأنعامَ والِجنَّ معَ الإنسِ

     قُلْ يا صَاحِ واجعلني صدى الدَّرْسِ

     قُلْ ماشِئتَ عن حالي وعن نَفْسي

     قُلْ فَلَنْ أهتزَّ مادمتُ على قُدْسِ

                  --- ---

       
قُلْ ، غيري بِلا أُذْنٍ بلا طَرْفِ

        أنا السّمْعُ أنا البَصَرُ لِذِي الحَرفِ            

        لي سَمْعٌ عَلَى نحوي عَلَى صَرفي

        لي بَصَرٌ مضى حُباً إلى ذَرْفِ

        أنا الشَّعبُ في عَينِي وفي عُرْفي 


        إذا مِتُ فَهَذا الشَّعبُ في جَرْفِ !

                           --- ---

        ابقَ معي فلا وسْعٌ سِوى السَّمْعِ

        فإنْ تأبى فَمَا عِندي سِوى النَّزْعِ   

        سأبعثُ هذا الفَأسَ مِنْ جِذْعٍ إلى جِذْعِ

        واجتَثُّ البقايا والعُرُوقَ الضّارباتِ بقَطْعِ

         ملأَى السَّنابلِ
انحني أمامَ ريَاحِي في طَوْعِ

        فالأرضُ أرضي ما حَمَلَتْ علـى نَبْـعِ


                             --- ---

        عِشْ مَعِي بالذُّلِّ أو ارحلْ فَأنتَ قَتيلُ

         سيقتلُكَ الشَّوقُ والتِّذكارُ والليلُ الطويلُ

        غريبٌ تُرْمَى بسوءٍ حينَ يأتي إليكَ تقليلُ

         إمَّا أنْ تعودَ لذُلِّي أو تنأى فأنتَ ذليلُ


                    --- ---

      بُغاثٌ أنتَ أو دُونَ ذلِكْ !

      أنا الإنسانُ خليفةٌ حُرٌّ ومَالِكْ !

      أنا مَنْ عرَكَ الدنيا وتعرفني المسالِكْ !


      أنا شهيدٌ فَمَنْ أنتَ يا هَالِكْ؟!

                      --- ---

       أراني وحيداً لَمْ أجدْ بَدَلا !

       اذهبْ بعيداً واقْلَعْ ذلكَ الجبَلا !

       الـمُلْكُ مُلْكِي حَرَزْتُهُ عضَلا !

       في سَكْرَةِ الكِبْرِ قالَ مَنْ ثَمِلا !



       عبد الرحمن السعادة



هام بالسودان



هامَ بالسّودانِ عِشقـاً
ما فَاقَهُ بالعِشقِ عاشِـقْ

زادَ فَكَادَ أنْ يتســاوى
الشَّــــريفُ بِهِ وسَـــارِقْ

ومَنْ كَفَرَ بِبَعْضِ حِـبٍّ
فَكأنَّهُ في الُحبِّ فاسِـقْ

ومَنْ أحَبَّ أحَبَّ حتَّى
قَضَى والُحـــبُّ عـالِــــقْ

ومَنْ أحَبَّ لمْ يُعرَفْ لَهُ
لحبـيـبِهِ أبـــــداً بــوائقْ

آتَى مّما يُحِبُّ حبيبَهُ
وأتتهُ مّما يُحِبُّ ســوابِقْ

الفارس المغموز



الفارس المغموز :

رموا الفتى السوداني بالكسل حمَلَ هذا الإفك مَنْ حمل وهمَزَ به مَنْ همز وغمَزَ به مَنْ غمز وتاجَرَ به مَنْ تاجر.
وهذه الأبيات ردٌ بإيجازٍ عسى أن يعجب بني وطني:


         فـــارسٌ وَرَدَ الدُّنــا بعطــائهِ         زكَّى السَّـجـايا وقدَّمَ الأنْفَـاسـا


        سمِعَ مِنْ طرفِ الَجهُــولِ مَذَمَّةً       كَظَمَ فكَبَلَ الجُهَّال والأضْراسـا

        رماهُ بالكسـلِ القبيحِ لســـانُ         مَنْ كَــسِلَ حصــافةً وكِيـــاسـهْ

        نـاقـصُ العقـلِ يطـيرُ فَـهاهَـةً     
   وناقصُ الدِّينِ يَسُبُّ خَســاســهْ

        نـضَـحَ الإنــاءُ وقَـدْ عــرَفنـــــا        مـــا يَحْوِي الإنــــاءُ أســـــاســا

        هُــوَّ مِـنْ ظَــهْرِ عُـبَّادٍ وزُهَّـادٍ       شغَلتْهُمْ عيوبُهُمُ ما عيَّبوا النَّاسا

        بِيْـضُ الطـويَّةِ شانَهُمْ مُسْوَدُّها   
   فاسْــوَدُّوا مِـنْ حــسَّدٍ مـساسـا

         حــمَلَ الـعبءَ الثـقـيلَ أمــانـةً        يُرضي ربَّهُ لا يتبعُ الوسواســا

        حُـرُّ مِنْ حَـرِّ الشُّـموسِ دِماؤُه      هذا الّذي سدَّ الثُّغورَ حِراســهْ


         عبدالرحمن السعادة

يوم الحساب ،إهداء إلى مزارعي مشروع الجزيرة والمناقل



      جزيرةٌ بُسِّطتْ تُرابُها تِــبـــرُ        خضــراءُ لا بيــدٌ ولا حَجَـــرُ

      سعى النيــلُ بِـــرّاً ليُسقيهـــا         كــذلِكَ يَهْمِي فــوقَــها المـطَّــرُ


      رضِعَ الجمـيعُ لِبانَها شَبَعــــاً         فَمَسَّاهُمْ أخا رضْعٍ متى نَفَروا

      و عَــقٍّ مِنْ فــــرْطِ بســطتِـهِ         نَكَـرَ الجـميـــلَ لـمَّا مَسَّهُ الكِبَرُ


       غِيَرٌ جــرَّتْ لســانَ لئــيـــمٍ         جـحَــــدَ السَّدادَ  كـــأنَّهُ أشِــــرُ


       لسانُ الفَتَى كِتَابُ صـــاحبِهِ         إذا قَـالَ عُــرِفَ المتنُ والَخبَــرُ 
     
       لسانُ الفَتَى عُودُ صــــاحبِهِ         إذا قَـالَ  ظَهَرَ الَجذْرُ والشَّجَــرُ

      عِجـــافٌ كُتِبَتْ علينـا كـرِيحٍِ        في الأكــــلِ  لا تُبقِي ولا تَــذَرُ


       فلا ضَرْعٌ ولا غَنَمٌ ولا بقَرُ        ولا قُطـــنٌ ولا قَمْــــحٌ ولا ثَمَـرُ

      ولَمْ يبقَ للمطــاميرِ مِنْ ذُخــرٍ       عَـــدَا بنيهـــا مَـنْ هُـمُ قُــــبِروا

      فمَنْ يمشي بالتّحليلِ مِنْ جَنيٍّ        كَمَنْ يمشي بالتّحـــــريِم يَستَـتِرُ

 
      كيفَ واعتـــرضَ الطـريقَ لَهُ       جــــابٍ فَبِئـسَ الَجـبيُّ والظَّـفَرُ

 
      والأنعــامُ لاشَكْوى لديها حِينَ       فرَّ الرِّفــقُ والإحســــانُ والتَّبَرُ


      أغارَ الـماءُ أَمْ جفَّتْ جـداولُها       بفِـعْــلِ أثيـــمٍ يلـــــهو ويَحْتَــكِرُ


      الزَّرْعُ والغَبْــراءُ في دَهَــشٍ        مِـمَّا جـــرَى والطَّيــرُ والبَشَــرُ


      أيْنَ مَنْ زرعـوا ومَنْ حَصَدُوا      أيْــنَ مَنْ جـــادوا وما ادَّخَــروا

      كُــلٌ أتى يومَ حِســابِهِ فَـــرْدَاً        نـــالَ الثَـــوابَ فَـكَـفُهُ نَـضِـــرُ


      والآنَ نزَلَ بِهِمْ بـــلا جُـــــرْمٍ       حُكمٌ قَســـا في مصـيرِهِ النُّــذُرُ

      ألقــاهُمْ القَــاضِي بأمــرِ اللــهِ       في سِــجنٍ بلاسُـــورٍ لَهُ شَــرَرُ

      فَهَلْ تـرى فَرْقاً عمَّنْ ضـاعَ         مُخْتَنِقــاً في الَحـبْــــسِ يُحْتَضَرُ 




         عبدالرحمن السعادة


طعم الفراق



طعم الفراق:  


             لأيِّ البِقَــــــــاعِ سيهتَدي          قُــلْ لي بأيٍّ على الطُّرُقِ

             فَالتِّرحــــــالُ في عَيْــثٍ           بقَــلْـبِ الطامـــحِ الَأرِقِ


             سئِمَ فهَــبَّ منتَفِضـــــاً            يُـبــدِي نِفَـــــارَ مُـنـتطِــقِ 

         
               بِبـَصَـرٍ طــــارَ بحـــثاً        عـمّا طــــــارَ كالطَّـبَــــــقِ

              فَمَـــرَّ بلـمحِـــهِ طــــيرٌ          يطـيرُ بأجـمــلِ النَّسَـــــقِ


              جَهَرَالصـــريخُ فنــــادَى        وثَـــارَ  كغاضـبٍ حَمِــقِ:  

           
               تَعالَ فاحملني إلى غَرْبٍ      مِنْ البـُلــــدانِ أو شَـــــرِقِ

              خــــــذْني فَـلَــنْ أبــقَـى        بـــوادٍ غـــيـرِ مُتَّسِــــــــقِ

              خذْني فلســـتُ ذا ســـوءٍ        يُعيبُ ولســـــتُ ذا نَـزَقِ


               حـــالَ الـمـــوجُ بينَهمــا       فهْلْ ينجــــو مِنْ الغَرَقِ ؟ 


              مضطرٌ  نــالَ مطلــبَهُ          نَـــــأَى فاشــتدَّ عَنْ قَلَــقِ

              تهــــــاوى  بفَقْـدِ أحبابٍ         كَـمِـثلِ الــرُّوحِ والعُنُــقِ


              ذُقْ طــعــمَ الفِــــــراقِ         يــا مَــنْ قُلــــتَ لــــمْ أذُقِ!

              بِـــلادٌ غُلِّقَتْ أبوابُـــــها        حُـــرِمتْ مَهْبِطَ الفَلَــــــقِ


             مِفـتاحُـــــها بِلا لــــونٍ         قَــدْ ضـــــــاعَ في الأُفُــقِ  

            
             كــانَـتْ إزاراً ســــاتِراً           فأصبـَحتْ مِنْ الـخِــــرَقِ

              كــانَتْ فــريـقاً واحـــداً       فــانْشَــقَّتْ إلى فِــــــــــرَقِ


             فُطِـــــرتْ علَى السِـلـْــمِ        والفضلِ والأرحامِ والخُلُقِ


             سَمَــاحٌ  حــيَن تلقَـــــاها         بوجــــهٍ باســـــمٍ طَـــلِـقِ

            يــمشي الآمِنــــونَ بـِهــا         بِـــلا قــــــــــيدٍ ولا ورَقِ


             أمِنَتْها السَّوامُ فســافرَتْ          ميمونةً ببنــــــاتِها الطُلُقِ

             مــاهـذا الـهُـراءُ الَّـذي        صــــــكَّ الأُذنَ بالـــرَّهَـقِ

              ذهَبَتْ أيامُنا هَــــــدَراً          بيَن مُخـــتلِفٍ ومُـتََـفِــــقِ


              لَمْ نجـدْ شيــــئاً فنشهدَهُ       ســــــــوى فِــتَنٍ لـمُــستَبِقِ

               نوازلُ تَسري وتَفْري        حتَّــى خـطـــــفةِ  الرَّمــقِ
             


               عبدالرحمن السعادة




في حضرة الساسة :

        عِمــــــامةٌ تــــدورُ عــــلى رأسٍ كــبــيرِ

         وجِلبابٌ أنيـــقٌ حـكَى ثـــوبَ الأمـــيـــرِ

         وعصًا مِنْ الأبنـــوسِ في كفِّ الُمشيرِ

         تهتزُّ في كفٍّ عظيمٍ أو في كفٍّ صَغيرِ

           .......  .......    .......
        


         أكتافٌ مُرصَّعةٌ بكــلِّ نجمٍ  ســابحِ  
     
          عليهـا عَلَتْ أسـرابُ نـسرٍ جــــارحِ

         وسيفانِ تلاحَما كقبضةِ المتصافِحِ

          أكتافٌ فوقَ أكتافِ شَعبِ تسامُحِ 
 

              ......  ......  ...... 
         
         هِندَامٌ وعُنُقٌ حـــــولَهُ ربـــطَةٌ رقطـــــاء

          غربيُّ المخارجِ همُّهُ الغابُ والصَّحراء

          حتّى إذا أتتهُ ولايةٌ وتكاثرتْ أضـواء

          انقلبَ في عجلٍ كأنَّ داخـــلَهُ لِــــواء

          وجهٌ واحدٌ  في زِيِّهِ تتعددُ الأسماء

            
     .....  ..... ...... 
         
          سعيٌّ إلى الصدرِ في موكبِ المـكْرِ

          تبارى المتظاهرونَ لَهُ فعادوا بالصِّفْرِ
     
          حصادُ لاشيءَ مقســـــومٌ على غُبْرِ!

          على شُـــمٍّ أُلي عزٍّ بِـــلا حَصْــــــــرِ

    
             .....  ......  ...... 
            
            حكَــــمَ مَــنْ حكَـــمَ في عُجْــــــبِ

             زعَــمَ الصّــــــوابَ بغـــــيرِ ذَنْــبِ

             يَــأتيـــــهِ الَخــــــراجُ بِكـــلِّ دَرْبِ

            يأتيهِ في طَـــوْعٍ وفي غَصْــــــبِ

            ألايعـــــرِفُ المحتــــاجَ عَـنْ قُـرْبِ

            إنَّهُ يسكنُ فـي عُـشٍّ على القَلبِ!

             فلِمَ إذاً يَسمعُ ضجةَ الشَّعبِ؟!


                   ..... ..... .....  
             
              أمــــوالٌ كالنـَّجمِ في السَّمــاء

              وألفـاظٌ كالـبخارِ لا كالــمــاء 

            
               عـــاريةٌ تـمشي بــلا غِــطــاء

              مضَى في عَهْدِها عَهْدُ الوفاء
     
             كُـلُّها مِِنْ الفئةِ القديمةِ الجوفاء

             عبدالرحمن السعادة