الجمعة، 21 يونيو 2013

أنثى الأنوفليس العطشى




فتى الفتيان يسعى بأعباء ثقال ثم يعود ليلاً إلى إيوان عامر  يكاد الغريب لا يعرف أهله من زائريه لو لا أنهم يحملون ما يكرم الضيف في الغداة والعشي ، وفي صحنه يتلألأ ضوء القمر ويحلو فيه كَلِم السّمر ، يطل على طريق تعوّدت عليه السابلة، تتخلله حفر صغيرة لا يراها الأمير حيث يعثر الكبير ولا يعبأ بها الصغير ، تسكنها بقايا قَطْر صيِّب ويتخندق بها جند البعوض وعيونه. وذات يوم رأته جدته مجندلا في مرقده على غير ماجرت أيامه فقالت له : يا بُنَيَّ ما بك فتأخر في رده فأقبلت عليه فجسّته  وملأ الخوف عينيها وحثته أن يسارع إلى الطبيب بعد أن نفد ما لديها من عشب ولم ينفد ما لديها من دعاء .
ورغم أنه يقوم لحوائجها بِرّا وطاعة ورضا إلا أنها لم تنس كم أخذ بيدها إلى حكيم مداوي أوإلى طبيب نائي في مدن حاضرة غابرة ، وكذلك يوم جلب لها بقرتها الشاردة من راعيها في بور ممتد لا نهاية له عابرة جسور القناطر  .







إهداء إلى الذين تأذوا من أنثى الأنوفليس العطشى وإلى الذين يعملون على محاربتها.



            أزائرٌ يــأتي بِـلا استـــئـذانِ        أَمْ إنَّهُ حَــــيٌّ غـــريبُ لسـانِ

            مُتَعَجِلٌ غـــــرَّاهُ مَـدُّ أيـــــادٍ        نحـو القِرى المـمـدودِ كُلَّ أوانِ

            فَطَنَّ بالصَّوتِ البَغيضِ كَطيرٍ       عَـلا بِنَعيقِ الشّؤمِ للإنســـانِ

            غزواً دنا مِنْ مضْجَعِ السَّبَّاقِ      في السَّرّاء والضرَّاء والإحسانِ

         اتخذَ النَّهارَ فَلَكاً يَـدورُ بِـهِ     واللَّيلَ رِدءاً عَلَى الدَّوَرانِ

         أوى إلى حِمى قِــدٍّ مُنَجَــدٍ     تصلّدَ مِنْ تعاقُـبِ الأزمانِ (1)

         ما هــذهِ العَيُن التي بِعِيونٍ   لا تُغَــضُ ولا تُـرى بِعِـيانِ

         شُغِلَ بِها العُلماءُ والرّؤساءُ   قَدْ عَجـــزوا أمـامَ الجاني

             فَإذا بِنُحَيلةٍ قِيسَ البعوضُ    بَدَا اختلافُ الرِّبْحِ والخُسرانِ

             أُنثـى رَمَتنا بالسِّقـــامِ وأُنثى     بالشِّفـاءِ رَمَتنا لَدَى الأُنـــانِ

         أُنثـى لِغــارةٍ مِنْـــها إذا        لَدَغَتْ وأُنثى مخافةَ العُدوانِ
 
       أُنثى الوحوشِ بقوةٍ صادَتْ    فَريستَها وغَرزتْ مخلَبَ الَحيوانِ


      وَانْسَلَّتْ بعدَ أنْ ألقَتْ بِــداءٍ       مُسْرفٍ في الهَـدْمِ والنُّقصانِ


       حُمَّ الفتى فقَالَ: إني صابرٌ        كَتَعوُّدي جَلَّداً مــعَ الحَدَثانِ

      فَلَمَّا حمِيَّ الُأوارُ نَوَى طبيباً      ولكنْ كَمَنْ يَنوي إلى السُّلطانِ!


     وَحِيَن التقــاهُ شَكَــا بتوجـعٍ         وتَكَلُمٍ لا يُستبــانُ مِنْ هذيـانِ


     طـبيـبٌ كـريٌم سَخَــا بوُريقةٍ         عجميةٍ فُكَّتْ بِعَقْلِ التُّرجمانِ

     حَــذِقٌ هوَّ
الدِّينـــارُ إذْ فَــكَ         ما اسـتعــصى بِسـحرِ بَيـانِ


    وَيَدٍ طَالَتْ بِنائلِــها وَرَحَـلَــتْ       يَــومَ أنْ قَصُرَتْ عَنْ الأثمــانِ 

    فَيا مَنْ تَقَلَّبَ في الدَّواءِ مُجرِّباً     حَبَّاً وشُــرْباً وطَعْــنَ سِنانِ
 
      وَلَمْ يَأنَفْ ممَّا تيقنَ فاهتــدَى            ورَقَى النَّفْـسَ بالسَّبعِ المثاني

    حَمَـــاكَ اللهُ مِنْ كيـدٍ تَفَشَّى        بالبـلادِ مُحَقِراً كيـــدَ الغـواني

      متى خَفَّ العَليــلُ غدا وراحَ             يصولُ بِـمَا ينــوءُ في سُلوانِ

            عبدالرحمن السعادة
(1) عنقريب القِد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق