السبت، 22 يونيو 2013

الطريق إلى تمبكتو




لا أعرفُ سِرَّ الَجذْبِ إذا ذُكِرتْ الممالكُ الإسلامية بإفريقيا ، ماهذا الخيطُ الّذي لا يُرى ويربطنا رباطاً وثيقاً بماضٍ نطربُ بذكراه ، ألأننا سِناريو الهَوى ؟ لستُ أدري ، فإنْ قِيلَ سِنار ذهبنا إليها وإنْ قِيلَ كانم ذهبنا إليها وإنْ قِيلَ زنجبار ذهبنا إليها ، ولإفريقيا شوقٌ دفيٌن في جوارحَ تتلظى كلَّما ذُكِرَ رسمٌ بها ، وهذا الشَّوقُ ابنُ حُبٍّ استوى في ناظرِه التّعددُ والتّنوع .
تمبكتو وسنار قامتا في عصرٍ واحدٍ بعد سقوط الأندلس ؛ تمبكتو  يرِد إليها الأساتذة والطُّلاب ينهلون ويذهبون  وسنار تستقبل العُلماءَ وتبعث طلّابَها .

وكذلك جمهورية السودان وجمهورية مالي اللَّتانِ يجمع بينهما السودان الكبير تشابهتا في أزمة الحرب الأهلية بين الشَّمال والجنوب وتخالفتا فيمَنْ يـُمسك بزمام السُّلطة والثَّروة ، ومصير السودان انتهى بالانفصال وتبقى مصير مالي فَهَلْ ستتعادلان في الخواتيم أم سيتراضى شعبا شمال وجنوب مالي ويتحابا في وطن واحد.
مِثلما أُحِبُّ لبلدي السّلام والتآخي والرّخاء أيضاً أُحِبُّ لقارتنا ولكل العَالَم ما أُحِبُّ لبلدي ، ونتمنى لإخواننا في جمهورية مالي أنْ يفكوا ما تعقَّدَ من سِحرِ المعضلات مِنْ غير احتراب حفظاً للنُّفوسِ النفيسة ، وأن تـمُدَّ لهم الأيادي ذخائرَ النِّعم لا ذخائرَ النَّدم.
  أيُّها القاريء الكريم مَنْ أَحَبَّ وحدة تراب هذه القارة إذا رحلَ  مِنْ وادٍ إلى وادٍ على ظهرها عاشَ وتآلفَ مِنْ غير تثريب ، وعلى هذا وَفَدَت زرافاتٌ مِنْ أهل تمبكتو إلى السودان وعَينُهم إلى الحرمين الشَّريفين - على رواية حفيدٍ لتلك الأجيال -  في حِقبٍ متباينة في زمانٍ قديم وأصبحوا سودانيين ثُمَّ هجرَوا السودان حِينَما تشرَّدَ أهله .

وهذه الأبيات الآتية تحيةٌ لأهل تمبكتو وقد جمعتنا الأسفارُ بكثير منهم:





              تمبَكْتـو التَّليــدةُ فِتنــــــةٌ          لَعِبَــتْ بِنــــاظرِها جِهارا

              وَالقلبُ المُحِـبُّ لِمثلِـــها         ذِكْــــــراً تَنَـــــادَى فَطَـــارَ

              مُحَلِّقــاً بيَـــن العُصُـــورِ        فَشَـاقَهُ مجــــدٌ تـــــــوارى

              لَـجَمَ الـخَـيَالَ كَسَــــابِقٍ          خَــبَرَ الفَـــــــلاةَ مِـــــرارا

              سَليلُ أكـَــارِمٍ جــــــازَ          المغانيَّ والزَّمـانَ مـهــارهْ 

             يَا مَنْ بَدَا أضْــــرَابُهُ مِنْ        وَقْعِهِ في الـمَشْرِقينِ حَيَارى

             يَا مَنْ سَـــلا حُسَّادَهُ فِي          جَهْلِهِمْ يَتَقاسَمُونَ النَّـــــارا
       
           لا يَعْرِفونَ نَواحِياً بحِيَالِها        لا يَعْـرِفونَ يَـمينَها ويَسارا

            هُمُ عُمْيٌ بِسِجْنِ النَّفْــسِ           قَدْ خَــسِروا بِها الأبصَارا

            إفــــــريقيا كَمْ عُتِّقَتْ مَا          أعْتَقَتْ عُشَّاقَها إلا سُكارى

            وَكَأنَّـــها عَيٌن تَفِيـــــضُ         وتُـــؤتِي كأسَــــها الـدَّوَّارا

            فَأنــاخَ في رملٍ  كـريـمٍ        ظـــنَّهُ الــــرَّائي  غُبـَـــارا

            كَكِرامِهـــا يمشي الوَّقَارَ        مُعَمماً ومُلَثَمـــاً مُختـــارا

            هَـذا النـَّهــرُ ذو حـــــظٍّ          يفــوقُ بوَصْلِها الأنـهــارا

            جَــوهَرة ٌلــمَّا مـسَّهـــــا        غَــارَتْ جَواهِرُهُ اشْتِجَـارا

             فَقَفَزَ الـــــدُّرُ في خَـــيْرٍ        يُصِيبُ أُناسَـــها الَأخْيــارا

             أُمَـراءٌ وشُــيوخٌ عَابِدونَ       بــَنـــــوا بـِـالـعِـــلْـــمِ دَارا

              فَخَرَجَ مَنْ حجَّاها بدراً         شـــــعَّ بــــالأنـــــوارِ زارَ

             وَأعلامٌ وأبطــالٌ سَمُوا          في سُــوحِها شَمَخوا كِبارا

             زَحَفَ العِــدَا بِرِماحِهِمْ      وتـَجَمَعوا واستَكْبَروا اسْتِكْبَارا

             كَتَاجِ الــدِّينِ (1) إنْقُونـَّا (2)    يُقَــاتِلُ فَـــــارِساً مِــغْوارا

             بَسَالتُهُمْ أقرَّ بِهـــــــا العِدا      وكَفَــى بِعِــــداهُمُ إقْــــرارا

             فَاستَبِقُوا يا بَنيها توحُّـداً        حتَّى يكــونَ لَكُــمْ شِـعـــارا

              رُدُّوا إليها إمارَةً ونَضَارَةً     وسِفــارةً وتِجَــارَةً وقِطْـارا

              وَألـــواحاً تَنْــدى بآيــــاتٍ      وأوراقَــاً وأقلامَاً وأحْبَارا

              وَأوراداً هــزَّتْ  جِـــدارَ       اللَّيْــلِ تُتــلى  وأذْكَــــــارا


             عبد الرحمن السعادة


(1) السلطان تاج الدين : صدّ الغزاة الفرنسيين وقاتل حتى قُتِل.

(2) لقب محمد علي الأنصاري الذي تولى الدفاع عن تمبكتو وبواديها عندما غزا الفرنسيون الصحراء وقد نازلهم في العديد من الوقائع
وهزمهم وفي نهاية المطاف استطاع الغزاة تفريق من حوله من الرجال وصالحوهم سراً دون علمه ، وأما هو لما علم بذلك رفض الصلح مع الفرنسيين فجعلوه هدفا لهم حتى تمكنوا من اغتياله عام ١٨٩٦م. ( الأوفى المختار- عبد الله محمد مهدي)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق